الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله جل ذكره: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً في صُدُرِهِمِ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ}.أخبر سبحانه أن المسلمين أشدُّ رهبةً في صدورهم من الله، وذلك لِقلَّةِ يقينهم، وإعراضِ قلوبِهم عن الله.قوله جلّ ذكره: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ في قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرِ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}.أخبر أنهم لا يجسرون على مقاتلة المسلمين إلاَّ مُخاتلةً، أو من وراء جدرانٍ. وإنما يشتدُّ بأسُهم فيما بينهم، أي إذا حارب بعضهم بعضًا، فأمَّا معكم.. فلا.{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بَِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ}.اجتماعُ النفوس- مع تنافرُ القلوب واختلافها- أصلُ كلَّ فساد، وموجِبُ كُلِّ تخاذُل، ومقتضى تجاسُرِ العدوِّ.واتفاقُ القلوبِ؛ والاشتراكُ في الهِمَّةِ؛ والتساوي في القَصْدِ يُوجِبُ كُلَّ ظَفَرٍ وكلَّ سعادة... ولا يكون ذلك للأعداء قطّ؛ فليس فيهم إلا اختلالُ كلِّ حالٍ، وانتقاضُ كلِّ شَمْلٍ.قوله جلّ ذكره: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِم وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.مَثَلُ بني قُرَظة كمثل بني النضير؛ ذاق النضير وَبال أَمرِهم قبل قريضة بِسَنَةٍ؛ وذاق قريظة بعْدَهم وبال أمرهم.{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قال لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)} أي مَثَلُ هؤلاء النافقين مع النضير- في وَعْدِهم بعضهم لبعض بالتناصر {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قال لِلإِنسَانٍ}.وكذلك أربابُ الفترة وأصحاب الزَّلَّة وأصحاب الدعاوى.. هؤلاء كلُّهم في درجة واحدة في هذا الباب- وإن كان بينهم تفاوت- لا تنفع صُحْبَتُهم في الله؛ قال تعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] وكلُّ أحدٍ- اليومَ- يألَفُ شَكْلُه؛ فصاحبُ الدعوى إلى صاحب الدعوى، وصاحبُ المعنى إلى صاحب المعنى.قوله جل ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ}التقوى الأولى على ذكر العقوبات في الحال والفِكرِ في العملِ خَيْرِه وشَرِّه.والتقوى الثانية تقوى المراقبة والمحاسبة، ومَنْ لا محاسبة له في أعماله ولا مراقبة له في أحواله.. فعَنْ قريب سيفتضح.وعلامةُ مَنْ نَظَرَ لِغدِه أن يُحْسِنَ مراعاةَ يومِه؛ ولا يكون كذلك إلاَّ إذا فَكَّرَ فيما عَمِلَه في أمْسِه والناس في هذا على أقسام: مُفَكِّرٌ في أمْسِه: ما الذي قُسِمَ له في الأزل؟ وآخر مفكِّر في غده: ما الذي يلقاه؟؟ وثالثٌ مُسْتَقِلٌّ بوقته فيما يلزمه في هذا الوقت فهو مُصطَلَمٌ عن مشاهده موصولٌ بربِّه، مُنْدَرَجٌ في مذكوره؛ لا يتطلَّعْ لماضيه ولا لمستقبله، فتوقيتُ الوقتِ يشغله عن وقته.قوله جل ذكره: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَسِقُونَ} تركوا طاعتَه فَتَرَكُهم في العذاب؛ وهو الخذلان حتى لم يتوبوا {أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.قوله جلّ ذكره: {لاَ يَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَآئِزُونَ}.لا يستوي أهلُ الغفلةِ مع أهل الوصلة.وأصلُ كلِّ آفةٍ نسيانُ الربِّ، ولولا النسيان لما حَصَلَ العصيان، والذي نسِيَ أمرَ نَفْسِه فهو الذي لا يجتهد في تحصيل توبته، ويُسَوِّفُ يُلْزِمَهُ به الوقتُ من طاعته.قوله جل ذكره: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَاذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَّصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.أي لو كان للجبلِ عقلٌ وصلاحُ فِكْرٍ وسِرٍّ، وأنزلنا عليه هذا القرآن لخَضَعَ وخَشَعَ. ويجوز أن يكون على جهة ضرب المثل كما قال: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 90] ويدل عليه أيضًا قوله: {وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ}: ليعقلوا ويهتدوا، أي بذلك أمَرْناهم، والمقصود بيان قسوة قلوبهم عند سماع القرآن.ويقال: ليس هذا الخطابُ على وَجْهِ العتابِ معهم، بل هو سبيل المدح وبيان تخصيصه إيَّاهم بالقوة؛ فقال: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ} لم يُطِقْ ولخَشَع- وهؤلاء خَصَصْتُهم بهذه القوة حتى أطاقوا سماع خطابي.قوله جل ذكره: {هُوَ اللَّهُ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}.{الْغَيْبِ}: ما لا يُعْرَفُ بالضرورة، ولا يُعْرَف بالقياس من المعلومات. ويقال: هو ما استأثر الحقُّ بعِلْمِه، ولم يجعل لأحدٍ سبيلًا إليه.{وَالشَّهَادَةِ}: ما يَعْرفُه الخَلْقُ.وفي الجملة. لا يَعْزُبُ عن عِلْمِه معلومٌ.قوله جل ذكره: {هُوَ اللَّهُ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السلام الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.{الْمَلِكُ}: ذو القدرة على الإيجاد.{الْقُدُوسُ}: المُنَزَّهُ عن الآفة والنقص.{السلام}: ذو السلامة من النقائص، والذي يُسَلِّمُ على أوليائه، والذي سَلِمَ المؤمنون من عذابه.{الْمُؤْمِنُ}: الذي يُصَدق عَبْدُه في توحيده فيقول له: صَدَقْتَ يا عبدي.والذي يًصَدِّق نفسه في إخباره أي يعلم أنه صادق.ويكون بمعنى المصدق لوعده. ويكون بمعنىلمخبر لعباده بأنه يُؤمِّنهم من عقوبته.{الْمُهَيْمِنُ}: الشاهد، وبمعنى الامين، ويقال مؤيمن (مُفَيْعِل) من الأمن قلبت همزته هاءً وهو من الأمان، ويقال بمعنى المؤمِن.{الْعَزِيزُ}: الغالبُ الذي لا يُغْلَب، والذي لا مثيلَ له، والمستحق لأوصاف الجلال، وبمعنى: المُعِزّ لعباده. والمَنِيعَ الذي لا يَقْدِرُ عليه أحد.{الْجَبَّارُ}: الذي لا تصل إليه الأيدي. أو بمعنى المُصْلِح لأمورهم من: جَبَرَ الكَسْرَ. أو بمعنى القادر على تحصيل مراده مِنْ خَلْقِه على الوجه الذي يريده من: جَبَرْتُه على الأمر وأجبرته.{الْمُتَكَبِّرُ}: المتقدِّس عن الآفات.{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}هو المنشئ للأعيان والآثار.{لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} المُسَمِّيات الحِسَان.{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: مضى معناهما، وقد استقصينا الكلام في معاني هذه الأسماء (في كتابنا المسمَّى: البيان والأدلة في معاني أسماء الله تعالى). اهـ.
.فصل جامع في شرح أسماء الله الحسنى: لحجة الإسلام الغزالي.قال عليه سحائب الرحمة والرضوان ما نصه:الفصل الأول:في شرح معاني أسماء الله التسعة والتسعين:وهي التي اشتملت عليها رواية أبي هريرة رضي الله عنه إذ قال قال رسول «إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا إنه وتر يحب الوتر من أحصاها دخل الجنة:هو الله الذي لا إله هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالى البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور».فأما قوله الله فهو اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية المتفرد بالوجود الحقيقي فإن كل موجود سواه غير مستحق الوجود بذاته وإنما استفاد الوجود منه فهو من حيث ذاته هالك ومن الجهة التي تليه موجود فكل موجود هالك إلا وجهه والأشبه أنه جار في الدلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام وكل ما ذكر في اشتقاقه وتعريفه تعسف وتكلف فائدة.اعلم أن هذا الإسم أعظم أسماء الله عز وجل التسعة والتسعين لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء وسائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني من علم أو قدرة أو فعل أو غيره ولأنه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الأسماء قد يسمى به غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيره فلهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا الاسم أعظم هذه الأسماء دقيقة.معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها حتى ينطلق عليه الإسم كالرحيم والعليم والحليم والصبور والشكور وغيره وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله عز وجل وأما معنى هذا الاسم فخاص خصوصا لا يتصور فيه مشاركة لا بالمجاز ولا بالحقيقة ولأجل هذا الخصوص يوصف سائر الأسماء بأنها اسم الله عز وجل ويعرف بالإضافة إليه فيقال الصبور والشكور والملك والجبار من أسماء الله عز وجل ولا يقال الله من أسماء الشكور والصبور لأن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعاني الإلهية وأخص بها فكان أشهر وأظهر فاستغني عن التعريف بغيره وعرف غيره بالإضافة إليه.تنبيه:ينبغي أن يكون حظ العبد من هذا الاسم التأله وأعني به أن يكون مستغرق القلب والهمة بالله عز وجل لا يرى غيره ولا يلتفت إلى سواه ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه وكيف لا يكون كذلك وقد فهم من هذا الإسم أنه الموجود الحقيقي الحق وكل ما سواه فان وهالك وباطل إلا به فيرى أولا نفسه أول هالك وباطل كما رآه رسول الله حيث قال أصدق بيت قالته العرب قول لبيد:الرحمن الرحيم:اسمان مشتقان من الرحمة والرحمة تستدعي مرحوما ولا مرحوم إلا وهو محتاج والذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمى رحيما والذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرا على قضائها لم يسم رحيما إذ لو تمت الإرادة لو في بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرقة ولكنه ناقص وإنما الرحمة التامة إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم والرحمة العامة هي التي تتناول المستحق وغير المستحق ورحمة الله عز وجل تامة وعامة أما تمامها فمن حيث أنه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها وأما عمومها فمن حيث شمولها المستحق وغير المستحق وعم الدنيا والآخرة وتناول الضرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما فهو الرحيم المطلق حقا.دقيقة:الرحمة لا تخلو عن رقة مؤلمة تعتري الرحيم فتحركه إلى قضاء حاجة المرحوم والرب سبحانه وتعالى منزة عنها فلعلك تظن أن ذلك نقصان في معنى الرحمة فاعلم أن ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرحمة. أما أنه ليس بنقصان فمن حيث أن كمال الرحمة بكمال ثمرتها ومهما قضيت حاجة المحتاج بكمالها لم يكن للمرحوم حظ في تألم الراحم وتفجعه وإنما تألم الراحم لضعف نفسه ونقصانها ولا يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا بعد أن قضيت كمال حاجته.
|